استقاء المصادر

المصادر الشفهية :

اعتمد المؤلف في انتاجه على المصادر الشفهية الحية واستقاء المصادر من موردها الأولي نظراً لقلة وندرة المصادر التي تتناول المنطقة ومدينة جدة على وجه الخصوص ولما لهذه المصادر من أهمية في إثراء الوصف من خلال رصد تسجيل وتدوين القصص والحكايات وتدوينها وربطها بالسياقات المختلفة وتفسير الكثير من الظواهر وتحليلها وكذلك قياس التحولات والتغيرات التي تطرأ على المجتمع على مختلف الأصعدة ومناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتأثر المجتمع بالثقافات الأخرى، حيث شكل ذلك الانصهار نسيجا منصهرا ومتجانساً منح المدينة قدرة فريدة على مجاراة التطورات فالمدينة كانت عبر العصور ملتقى للترويج التجاري للسلع لوجود مينائها القديم حتى أطلق عليها المؤرخون بمخزن السلع الذي يغطي احتياجات المناطق المجاور من كافة الاحتياجات والمستلزمات.

ويمكن تقسيم المصادر إلى عدة أصناف شكلت مورداً للمادة البحثية وقد تشكلت للمؤلف خبرة مهنية في جمع المعلومات من الصادر الشفهية في إعداد مادة البحث من خلال عقد الحوارات والالتقاء بالشخصيات من أرباب المهن والمعمرين وشرائح من المجتمع وإجراء المقابلات وفرز المعلومات وتحليلها حيث استند لخبرة مهنية في ميدان الصحافة دامت لنحو خمس وعشرون عاماً.

 

تسجيل الحكايات والقصص والمواقف :

عمد المؤلف على رصد وتسجيل المواقف والحكايات والقصص التي كانت تروج في المجتمع لا سيما المرتبط منها بالأحداث التي تتطلب  قياس أثرها ومعرفة أبعادها والبحث تفاصيلها وما جال فيها من مواقف ومتغيرات والاطلاع عن كثب لما كان يثير هواجس وظنون الناس لا سيما في الحالات التي تتعلق بظهور وبزوغ تيارات ومراحل تتطور تحتمل مستجدات قد تخالف أو تنفي  ما كان سائداً في حياة الناس عبر تاريخهم وماضيهم  وهو ما كان يشكل ظرفاً استحوذ على اهتمام عامة الناس بمختلف شرائحهم وانقسامهم إلى نحو يقود كل طرف لانتهاج منحى مختلف ومغاير إما بقبول أو رفض لما هو جديد من تطورات وأفكار ، وكان لذلك التباين والتجاذب بين ما هو أصيل وسائد في عرف المجتمع وما يطرأ من مستحدثات ومستجدات أفرزها التطور الطبيعي في مجالات العلوم والمعارف الإنسانية أو كذلك ما هو دخيلاً على موروثها وثقافتها الاجتماعية. 

كما منح ذلك التباين زخماً وبعداً فلسفياً لمدينة منفتحة اجتماعياً واقتصادياً ولكن شأن كهذا كان يقتضي أن  يسود جانباً على الآخر كما هو التطور الطبيعي في حياة المجتمعات ، والأمثلة عديدة في أطروحات في موضوعات الكتب التي قدمها المؤلف مثل ما دار في محتوى الصراع المجتمعي بين قديم الطب المتمثل في العلاج بالأعشاب  وطرق وسائل العطارين التقليدية وبين ما أقدم عليه الأطباء والصيادلة من طرق ووسائل علاجية حديثة أفرزت قيام وانتشار الصيدليات والعيادات الطبية التي تحمل فكراً وتطوراَ مغايراً لما اعتاد عليه الناس عبر تاريخهم القديم وبمفهوم علاجي حديث يقوم على العلاج الكيميائي والعقاقير الطبية .

ومثال آخر يتضح جلياً من خلال ما تضمه كتاب المعماريون في جدة القديمة في حالة الصدام المحتدم والمصيري بين المعلمين البلديين أو التقليديين الذين يبنون ويشيدون البيوت بالحجر المستخرج من ساحل البحر المسمى بالحجر (المنقبي) وباستخدام الأدوات والوسائل البدائية البسيطة وبين ما عرضة المهندسين بإنشاء أول بين باستخدام مادة الإسمنت التي أتت مغايرة تماماً عن مظهر وطريقة البناء بالأحجار ..

وحيث أن تناول تلك الأبعاد في مسيرة المجتمع وتطوره يتطلب البحث في هذه التفاصيل المفصلية التي أثرت على حياة الناس سواء في تعاطيهم للحاجة الملحة والضرورية عند المرض حيث اللجوء للعلاج ما بين العطار أو الصيدلي والطبيب أو في الجانب الآخر أهمية المسكن في حياة  الناس وفي ذلك حاجة أساسية ومعيشية تعد من الضرورات الملحة   .. وكان الشروع للبناء بمادة الإسمنت الحديثة أمراً فيه مخاطرة صعبة وخطيرة ومخسّرة في ظل اكتساء جميع بيوت المدينة بالأحجار التي قام عليها البناء قديماً وتلك المخاطرة لم تترك للمهندسين فرصة النجاح بيسر وسهولة بل تعطّل  منتجهم لسنوات حتى اقتنع الناس شيئاً فشيئاً بمادة الإسمنت كمادة قوية وصحيحة للبناء وأصبحت الأحجار في ماضي المهنة كجزءً من تاريخها الطويل.

 كما أن طبيعة البحث في المصادر والعودة للمحاكاة الشفهية المباشرة يتطلب جهداً من التحليل والمقارنة والرصد والربط بين العناصر المدونة وقياس أثرها وكذلك في إخضاعها للمراجعة والمقارنة وإسنادها للتدقيق والتوثيق لصحة المحتوى  كما في المقابلات الخاصة مع المصادر الحية ، بالإضافة إلى الحاجة ربط تلك المعلومات في سياقاتها المختلفة حيث يساعد ذلك على تفسير كثير من الظواهر وقياسها تغيراتها.

 

الكتب والمصادر والوثائق :

 ومن المصادر الرئيسية التي يركن المؤلف لاستقاء المعلومات منها هو البحث في كتب التاريخ والمرويات التي تناولت الموروث ورصدها وتحليلها وإعادة قراءتها في سياقات مختلفة. 

ولما اتسمت به المدينة من خصوصية الانفتاح على الثقافات الاخرى فقد منحتها تلك السمة قدرة استيعاب ثقافات عديدة من مختلف أصقاع العالم الإسلامي بحكم موقفها الاقتصادي كميناء هام ورئيسي على البحر الاحمر حيث تشهد تواجد كثيف لأسواقها التجارية المكتظة بالسلع والمؤن والاحتياجات والمختلفة مما أعطى للمدينة أهمية تاريخية وكذلك واهمية وجودها كمدخل للبقاع المقدسة مكنها من أن تحتل هذه المكانة في قلوب المسلمين الذيم يمرون عبرها ويمضون فترات زمنية ممتدة نظرا لصعوبة الارتحال قديما عبر البحر.   

ومن هذه الرؤية تجردت المدينة من الحدود الإقليمية التي تشكل حواجز فاصلة بين المدن تبعاً لاختلاف البيئات والظروف الطبيعية والمناخية فإن المنطقة التي انضوت تحت ظروف الارتباط بالمواقع المقدسة كان لها هذه الميزة العظيمة لانفتاحها على العالم الخارجي .. ولا سيما جدة قد نالت خصوصية متفردة في انفتاحها على عالمها الخارجي حيث الكل بقصدها من جميع بقاع العالم وتلك الميزة الدينية بوصفها مدخلاً للبقاع المقدسة ولدورها التجاري الهام بوجود مينائها وأسواقها التجارية جعلت من المدينة ذات أثر بالغ ومقصد وهدف سياسي تتجاذبه قوى العالم الإسلامي وكذلك مطمعاً للقوى الخارجية كما يتضح ذلك في محاولات الغرب للاستيلاء والسيطرة على مقدرات المنطقة التي حماها الله بعنايته ولطفه وقد أعطت الكتب التاريخية أهمية للمدينة من هذا المنطلق فتناول المؤرخون الكتابات والتدوينات لمدينة جدة في سياق كتاباتهم عن مكة المكرمة وزيارة الرحالة والمؤرخون للمواقع المقدسة. 

 

مدونات الرحالة  :

تعد مدونات الرحالة الذين مروا على المنطقة عبر التاريخ الإسلامية والتي تندرج من مصنفات أدب الرحلات من المصادر الوفيرة برصدها للحياة الاجتماعية ووصف الأحداث الهامة بالمنطقة وأهم وأبرز سماتها وظروفها الحياتية وحاراتها وبيوتها المتشكلة في أنماط عمارتها ومبانيها عموما والتي تعتمد في تشييدها على موارد البيئة ومنتجاتها وكذلك في وصف طبيعة تكوينها الحضري وأسواقها وتجارتها وطبيعة نسيجها الاجتماعي وتأثره بالظروف والعوامل المختلفة.

ومدونات الرحالات للمنطقة بصفة عامة تعد مصدراً غنياً لوفرة منتجه الأدبي في التسجيل والتدوين والرصد لملامح الحياة ولاختلاف مصادر قدوم ووجهات الرحالة الذين مروا على المنطقة ومكثوا فيها لفترات مختلفة.

 

المنتجات الإبداعية للرواد والمعاصرين :

ومن المصادر الهامة ما يرصد من أعمال إبداعية لرواد الكتابة والمنشغلين بها سواءً من الراحلين والمعاصرين الذين تركوا في متون منتجاتهم الإبداعية والسردية جوانب تتناول الحياة الاجتماعية بالوصف كفنون المقالة الأدبية والقصص والروايات التي دأب كتابها على رصد ملامح من الحياة الاجتماعية  حيث تتيح هذه المؤلفات التعرف بعمق عن طبيعة الحياة ومتغيراتها وأحداثها بالوصف الأدبي والتحليل الفني.

 

 المذكرات والسير :

بالإضافة إلى ما يتاح من كتب السير الذاتية التي دأب الأفراد باجتهادات منهم على تسجيلها وتدوينها متأثرين بظروف مجتمعهم وهي تجارب قد تشكلت وتكونت من محصلة انخراطهم واندماجهم في بيئاتهم الحياتية والعملية ووصفهم للأحداث التي تأثرت بها المنطقة  وقد عايشوها وعاصروها ودوّنوا ما نقلوه عن المحيط الاجتماعي من حولهم من أراء وأفكار وتفسيرات ومواقف تبعاً للحالة المرتبطة بظرفها التاريخي والاجتماعي ، وشكلت كتاباتهم وتدويناتهم خلاصة تجارب فردية هامة ومن هؤلاء تجار أو مسؤولين أو مهتمين بالشأن العام ، وتأتي الأهمية في إعادة قراءة هذه التدوينات والتسجيلات في سياقات البحث المرتبط بموضوعاتها البحثية التي تناول الموروث الإنساني.

 




Leave a Comment