رفعت دولة منغوليا قبل ستون عاماً اعتراضاً رسمياً لمنظمة الصحة العالمية لإبعاد ونفي العلاقة التي ربطت تسمية الأطفال المنغوليين بدولة وشعب منغوليا.. برغم علم جميع الباحثين والمهتمين بالتربية أن لا صلة تذكر لا من قريب ولا من بعيد بين منغوليا كبلد وبين تسمية الأطفال المنغوليين
ورفع أصحاب القرار في منغوليا طلبهم هذا الذي يعبر عن موقف وطن له استقلاليته وله حرية وكرامة شعبة المكفولة بموجب قوانين الأمم المتحدة رغم علم الجميع بقاعدة عدم خضوع الأسماء إلى مجهر التعليل والتبرير تحت قاعدة لغوية بأن الأسماء لا تعلل .. لأنها بطبيعة التكوين والنشأة تخضع لظريف مجهولة وتعمل تحت مبدأ الشيوع والرواج للتسمية أكثر من الحكم على حتمية الصواب الموافقة الاسم مع الصفة أو حقيقة الأمر ويصعب وقتها تصويب التسمية الشائعة التي انتشرت بين الناس في كل مكان.
وجاء هذا رفع قيادة منغولياً للتغير الذي لا رجعة فيه حتى لا يعتقد أحدا من سكان العالم أن منغوليا تصدر للعالم مثل هذه الحالات التي تعاني من تخلف عقلي فبدلاً من أن تعطي انطباعها المحمود بتطورها وتقدمها في العلم والمعرفة يسود الظن عنها والاعتقاد بها بين شعوب العالم أنها مصدر انتاج الأطفال المنغوليين لأن التسمية ارتبطت بتطابق حرفي بدولة منغوليا فبدلاً من أن يُقال علماء أو مخرعين وموهوبي منغوليا يشار عليهم بالأطفال المنغوليين .. هذا ما ذهب إليه تفكيرهم أو على أقل الاحتمالات رحم التصاق تسمية ما تدل على التخلف والإعاقة باسم وطنهم .. ولم يتقبلوا أن العملية لا تتجاوز كونها تشابه في السمات الشكلية من باب يخلق من الشبه أربعين .. فمن صفات هذه الفئة انسحاب العينين وصغر الذقن وكبر حجم اللسان واستدارة الوجه..
العلاقة كما في الاعتراض بدت وكأنها تهمة أو شبهة مطلوب إبعادها بصفة نهائية عن منغوليا دولة وشعبا مع أن التسمية التي تعود إلى الطبيب البريطاني جون لانغدون داون الذي كان أول من وصف هذه المتلازمة في عام 1862 والذي سماها في البداية باسم "المنغولية"
وكان من الواضح أن ذلك الشبه سبب تحسس شديد لقادة منغوليا دفعهم لقرار الاعتراض عبر مندوبهم في المنظمة العالمية فمع كل حالة ولادة لطفل منغولي تزيد المعاناة بارتباط التسمية المشبوهة بهذه الفئة بذلك وجب عليهم التحرك لطمس وطي صفحة ذلك الارتباط مع أن الصفات كانت شكلية ولا ارتباط معها بالعرق والجنس والسلوك بطبيعة الحال ، وإنما كان مقصد مطلبهم لدفع وجه والشبه أوالشبهة وعدم ترك الفرصة للخلط والمقارنة بين حالات التخلف العقلي ودولة وشعب منغوليا حتى لا يذهب المستمع بتفكيره أن هذه الفئة المصنفة ضمن فئات التخلف العقلي البسيط أخذت عدواها من الشعب المنغولي بالتصاق التسمية به وللحالة التاريخية التي ربطت هذه الفئة المغلوبة على أمرها به ..
لا أحد يعلم من التربويين الذي طلب منهم تغيير التسمية المسيئة لمستقبل دولة منغوليا إذا ظل الرابط مستمراً بهذه الإعاقة التي قد تعطي الإيحاء بحسب تأويل مجريات الأحداث وتحليلها في هذه الجزئية تحديدا بأن سكان منغوليا هم من هذه الفئة المعاقة ذهنياً وكان لابد عليهم من رفع الصوت عالياً وعلى أعلى منبر ومستوى سياسي ليس فقد لإنكار وجه الشبة بل ولإزالة تلك الوصمة التي يوسم بها المعاقين عقلياً والتي تأتي بشعور الدونية والسلبية والإحباط لفقده الأهلية والقدرة على التدبير لشؤونه الشخصية .. وبالنظر أيضا إلى مستقبل وطن يبحث عن النمو والتطور وتنمية اقتصاده ومحاولة البعد عن وصمة العالم المتخلف صناعياً وإنتاجياً واقتصادياً حتى تنسب إليه تهمة التخلف العقلي لمواطنيه وقاطني أراضيه .
وبناء على ذلك أقام المعهد الوطني للصحة بالولايات المتحدة الأمريكية 1957م مؤتمرا لتوحيد المصطلحات المستخدمة في وصف حالات الإعاقات العقلية ، وقد عممت التسمية الجيدة (داون) لجميع الهيئات والتنظيمات ومنها الجمعية الأمريكية للتخلف للإعاقة الذهنية والنمائية وهي المرجع الموثوق في وضع تعريفات فئات المتخلفين أو المعاقين ذهنيا التي لم تكذب الخبر بجدية لإبعاد ونفي تلك العلاقة بدولة منغوليا وتعميم تسمية داون على هذه الفئة .
لكن المشكلة أن الناس في كل دولة العالم لم يتناسوا إلصاق الطفل المنغولي على مثل هذه الحالات حتى يومنا هذا مهما بذلت منغوليا من جهد والأمر من ذلك أن الناس يعرفون الأطفال المنغوليين أكثر من معرفتهم بدولة منغوليا وساحتها وحدودها وعدد سكانها وما تشتهر به من منتجات وأعراف ..
ومثل هؤلاء الأطفال تكفيهم معاناتهم ومعاناة أسرهم من جور المجتمع على المعاق وبالذات في دول العالم الثالث الذي لا يقل تخلفاً في الانتاج والصناعة عن تخلف هذه الفئة وفق قياسات الذكاء المعتمدة والسؤال لو تم قياس مستوى تخلف دول العلم الثالث والتي تقف من بين أبرزها دولة منغوليا ترى أي درجة من التخلف ستنال
ولربما سيتقدم الأطفال المنغوليين أو من فئة داون إلى طلب إلى الأمم المتحدة بإبعاد ونفي إلصاق التسمية ليس فقط بدلوه منغوليا وإنما بدول كثيرة من دول العالم الثالث ، وسيبحث هؤلاء المعاقين عن حالات شبه أرقى وأجمل بدول من العالم المتقدم الذي رفض النوم وكافح الفساد وعالج التراجع بإدراكه لأهمية الوقت بالعمل والانجاز والتطوير في كل اتجاه حتى غدت هذه الدول منطقة ضوء لكل منتج ومنجز يخدم البشرية في جميع الأصعدة .
من لطف الله على دولة منغوليا ولنا جميعاً في دول العالم الثالث أن فئة ( داون ) من بين المتخلفين عقلياً لا تعي ولا تملك شأن اختيار مسار حياتها وتقرير مصيرها دون عون المجتمع ورعايته ، ولو كان بمقدورهم ذلك ولهم القدرة والكفاءة للتقييم واختيار الحياة التي يريدون فلن يضع أحدا منهم دولة منغوليا في أي خانة مهما بعدت أو اقتربت ومهما وضع من أجلها أي محفزات وألقت إمامهم من مغريات ..
حينها لن تكون منغوليا كدولة ولا لأي بلد من العالم الثالث المتخلف بحاجة إلى هذه الاعتراض لإبعاد وجه الشبه بأي فئة من فئات المتخلفين عقلياً فهي أي هذه الدول المتأخرة عن الركب العالمي والتي تعاني من هموم التراجع والتخلف في شتى المجالات موسومة بالتخلف بحسب الوصف العالمي لها عند المقارنة بالدول المتقدمة والمتطورة ولو أدارت ظهرها لواقعها وانطلقت للأمام حيث العلم والمعرفة والانتاج فلن تكون بحاجة لنفي أي صفة أو تسمية شكلية تربطها بحالات الإعاقة ، على الأقل لكون المعاق إنسان لم ولن يختار مصيره بيده بل كان واقعه قدرياً لا اختيار فيه ولا أمل لتغييره بينما الطرف الآخر لديه كل المقومات ..!!