هكذا قد وصل به الحال إلى طرق مسدودة ، وأفق تفكير ضيقة إلى حد عنق الزجاجة فاقداً كل طموحاته ورجاءاته بتحقيقها والسعي إلى إصابة شيء منها وهو بحال مزر نفسيا ومعنويا كمن استحال لجسد بلا روح ..
فهو دائم البحث عن أي طريق مهما كان وعرا ً وعلى استعداد للخضوع والخنوع لأي وسيلة مهما كانت عاثرة ومذمومة ممقوتة الوصف والاستهجان ومهما كلف ذلك من ثمن يتجاوز منه خلال عبوره حظه المتردي وبخته المائل عن كل شيء إلا عن تحقيقه لما يصبو إليه ويسعى للنيل منه ..
فقد وضع نفسه في ظل مأزق من التفكير السلبي العقيم دون حراك ايجابي متحفز نحو النجاح وبلوغ مجد التفوق كمن حفرة لنفسه حفرة بيديه ووضع نفسه بداخلها برغبة شخصية وتحت ضغوط إرادة صادر عن ذاته المتشظية نحن سدة المجد بأي وسيلة وأي ثمن ممكن فكيف لا وهو الابن الوحيد والمدلل لشاهبندر التجار حسن الوالي وكأنما هو الوالي بحق وحقيقة من اتساق رقعة تجارته وبسط مساحة نفوذه الممتدة إلى كل الأرجاء فكل شيء عنده له ثمن وقيمة مادية مهما ارتقت وعلت وارتفع نجمها نحو القمم ..
وقد بذل شاهبندر التجار كل ما في وسعه وبقدر استطاعته إلى أن يسحب ابنه الوحيد مبروك بين الخمس شقيقات إلى بساط تجارته الذائعة السيط والواسعة الانتشار والتي تنمو بين عشية وضحاها وتتطور وتزداد وراجا وإقبالا دون أن يلقي لها ابنه المدلل مبروك أي بالا .. وكان دائم التجاهل لرغبته ولم يستجب يوما أو يرضخ لمطالبه بضرورة وحتمية العمل معه في إدارة أملاكه وتجارته المتسعة إلى حدود وضعته في خانة أشهر أثرياء مكانه .. فمنذ قدوم الابن الوحيد مبروك إلى الحياة وهو آخر العنقود بعد سلسلة من الشقيقات كان ترتفع رجاءات الدعوات بين كل ولادة وأخرى بطلب قدوم ولي العهد المنتظر الذي يكون الظهر والسند لأبيه الذي يزداد به العمر شيئا فشيئا إلى شيخوخة بالية ستهلك تجارته باتكائه معتمدا على مساعديه وبانعدام وجودا أبناء يحملون الراية من بعده ويستلمون زمام الأمور في حياته ليهنأ بحياته أواخر عمره وهو معتمدا على ما حصده من تجاره رائجة وكيان اقتصادي متنامي المكانة الإقبال ..
مبروك الابن المدلل قد قاده إصراره وحنثه على التميز بين إقرانه متكئاً على عامل الغيرة الذي بدا في نفسه كمفاعل نووي قد ينفجر في أي لحظة تلامس شظية طائرة إلى مجهول سيلقي به في جوف الضلالة أياً كان إثمها ومهما كان جرمها لطالما كان طريقها مفتوحا لإرضاء نفسه المتوقة لاعتلاء سدة المجد بأقصر الطرق وأيسرها واقلها جهداً ومشقة ومعاناة فلم سكن يعرف لطعم العرق الممزوج بالجهد والعناء طريقا إلى نفسه وهو المدلل المرفه المحاط بخدم وحشم على امتداد تجارة والده الواسعة فكل له مجيب وليس في حاجة أن يكون ذو سلطان بهيبة والده وسخاؤه في مراضاة متطلباته ولتلبية احتياجاته
وقبل أن سنكشف السر الغريب ونقشع الغشاوة عن ذلك الموقف المثير الذي نعرض له وجاء متوافقا مع ما يصبو إليه فيحقق رغباته فليس هو من يطلب المال ولا الجاه والسلطان وليس من هو في مثل مظلة والدة الميسورة بسخاء العطاء ووافر الإغداق لإسعاده بحاجة إلى أي شخصا كائنا من كان لعرض طلب وساطة أو مساعدة لبلوغ مسعى ما أو نيل رغبة مهما بلغت فكبرياؤه لا يتيح له أن يوضع في خانة الطالبين و الباحثين عن نجاح بلهاث الطموح المطرد يوم بعد يوم
إنما هو النجاح أينما يكون وبالثمن المراد مهما بلغ والى أي مدى يكون فرصيد الأموال متسع لبلوغ رضا طموحه
لذلك كان التفاصيل متناسبة شكلا ومضمونا قلبا وقالبا مع حالة مبروك المستعصية كبليد يبحث عن النجاح برصيد الأموال الطائلة وللجميع واجب التصفيق له والإيذان للاحتفاء بمنجزه دون البحث عن حقيقة ما يحتويه ومن يقف خلفه وسيد الخلل في قوامه .. وذلك بفداحته لا يعد ضربا من الخيالات القصصية إنما عاشها مبروك بما كانت عليه من التباين والاختلاف فقاد نفسه إلى الخروج عن مألوف الحياة والى عوالم سرية ودون التقيد بمشروعية ما يسلكه من طريق لطالما انه وضع يده في مصافحة صريحة وسرية وبعقد مصيري مع الشيطان مباشرة بلجوئه إلى السحرة والمشعوذين وعلى يد كبيرا من كبراءهم
فقد باح بما في نفسه في برهة من الفضفضة الإنسانية لرغبة البروز في نجومية تحقق له الريادة في مجال ما لصديق يكتم سره ويحفظ له كثير من الجميل والود وأفضى له بحلم أن يصبح من المشاهير في مجتمعه يشار إليه بالبنان ويعلو بالنظر إليه كعب والده ويخلد ببلوغه المجد ذكر أسرته فمبروك يهوى كرة القدم ولم يطرق أبوابها من باب لقمة العيش ولا يفكر إطلاقا في معنى كهذا هو الشغل الشاغل للآخرين من أقرانه فيسمعها من غيره ولا يفقه معناها وأبعادها فالثراء الذي يعيشه تجعل حتى بعضا من حاشيته المحببين لا يفقهون معنى لقمة العيش الغلاّبة في ظروف الحياة الشاقة فبقربهم منه تتحقق أحلامهم وتنعم حياتهم ويرفلون في ظله بالعطايا والهدايا والإكراميات المجزية فكل شيء ينحني أمامه بخضوع المال وسلطته الساحرة كمن خرج من بطن أمه وفي يده ملعقة من ذهب ..
ما كان ينقص مبروك هو الشهرة الطاغية التي وجد العيش في دولتها وتحت حكم ظلالها فغاية همه وهو الابن الثري والمدلل للتاجر الثري هو احتلال منصة التتويج في سلم المجد وفي طغيان استحواذه على اهتمام الناس وحصد رصيد المعجبين وهو ما يطمح عليه في تحويل خطاه إلى دروب اهتمام المعجبين وجعلهم يسيرون خلف ظله وفي كنف شهرته التي ترمق كل من يحيطه بوهج المتابعة ومنها إلى ساحات الإعلام التي ستطارد هي الأخرى ظله أينما ذهب وارتحل تلبية محبة ومتابعة الناس له فكاميرات الصحفيين وبرامج الإذاعات الفضائية ستتنافس لاقتناء واختطاف لحظات ستنتهز خلالها فرصة الفوز لاستضافته ..
فكانت الكره سببا رئيسيا في تركه لمقاعد الدراسة من السنوات المبكرة في المرحلة الثانوية فلم يكن في يوما من الأيام يعقد على مقاعد الدراسة حلما لان تكون سبب تفوقه وبروزه في مجتمعه فيس الأطباء والمهندسين وكبار الموظفين والإعلاميين وغيرهم نجوما تلاحقهم الأضواء وتتابع خطوات سيرهم وسائل الصحافة والإعلام فقد سرق الرياضة واهتمام بكرة القدم على وجه الخصوص كل فكره وانشغاله
وما كان مبروك يعطي آذانه لوالده الذي عرض عليه عروضا وفيرة بالدراسة المرفهة المرموقة في الداخل أو الخارج وبوفود المعلمين المتميزين الذي يراوحون منزله المخملي العامر لتقديم له الدروس الخصوصية دون التفات منه واهتمام فلا يسترعي ذلك أي انتباه منه غير تمرير الوقت العبثي حتى ترك مقاعد الدراسة غير عابئاً بأي نتيجة تترتب على ذلك ولا تبعات قد تسقط أي آثار مستقبلية عليه .
هو يطلب القفز فوق حواجز النجومية من أبواب كرة القدم الكرة المستديرة التي تستهوي أنظار الناس وتلوي أعناقهم لمتابعة فرسانها وموهوبيها فهي في نظره طريق مفروش بالورود سهل المطمع والمنال يقوده إلى عالم النجوم والنجومية بلا أشواك ولا مصائد وبلا خسائر وجهود طائلة ومضنية كما هي تجارة والده التي تنهك طاقم عريض من العمال والمراقبين والمحاسبين والحمالين والبائعين حتى وجدت له المكانة وتحققت له الشهرة والأرباح فأبوه لم يعثر على الأموال بضربة حظ أو بكسب رهان الحظ على ورقة يانصيب إنما بعد شظف وشدة وسنوات من الكدح والكر والفر حتى كون تجارة مترامية الأطراف يتحدث عنها القاصي والداني
طريق كرة القدم لمبروك لم تكن أيضا كما كان يعتقد ويظن مفروشة بالورود بل وجد في اقتسام كعكة نجاحها وفرصة البروز فيها مشقة مستعصية على الكسول والمهمل والغير منتظم في تمارينها ومنضبط في ممارستها اليومية ففيها كفاح من نوع خاص لا يقل جهدا وعناء عن التاجر إلي يكر ويفر للبحث عن فرصة النمو والانتشار والتوسع في تجارته
بل وجد نفسه ملقيا على دكة الاحتياط والبدائل لأشهر عديدة لا ينظر إلى طموحه احد ولا يميزه احد لمكانة والده وبروز نجم تجارته وشهرة علاقاته وصلاته بأصحاب الشأن ومهما بذل وانفق من حساب والده البنكي لدعم النادي لا يجد مدرب النادي الذي ينتمي إليه بدا من ركنه في دكة الاحتياط فلا جدوى ومنفعة مؤثرة من مشاركته كحارس مرمى غير متفوق يكتفي بوجوده بديلا لسد الفراغ عند الحاجة الضرورية وهي نادرا ما تكون حتى الجمهور المتابع لنجوم النادي لم يعد ينظر إليه ولا يتابعه لا من قريب ولا من بعيد فلا تأثير له ولا شأن بوجوده على دكة البدلاء بلا جدوى غير إكمال العدد الناقص هناك حارس مرمى لا يمكن أن تهتز له ريح من تمكنه واحتكاره لخانة حارس المرمى ولا غنى للفريق عنه في أحسن الظروف وأحلكها من مكانته المرموقة في الفريق لسنوات مضت
ووجود مبروك إلى جانبه لا يعني للفريق أي إضافة من أي نوع مهما بدت فهو كالنجم الذي لا يشق له غبار من تألقه وإبداعه في الذود عن مرماه ومن شدة التزامه وانضباطه وحرصه على حضوره اليومي بدقة متناهية حتى بات مضرب المثل على عكس مبروك الذي أصابه الكسل والملل والخمول والبلادة إلى جانب الحارس المتوثب لكل فرص النجومية والنجاح ولا فرصة لمبروك غير إلا برحيل ذلك الحارس أو قضاء نحبه أو اعتزاله الكرة وهذا هو عشم إبليس في الجنة وحلم مبروك الذي يسكن خيالاته الحبيسة
وطبيعة الحياة لا تلتفت للكومبارس مهما كان وجوده ضروريا عند غياب النجم الأول ويظل الكومبارس زائدا عن الحاجة لا احد يذكر اسمه ولا يهتف له بغير النظرة العابرة التي لا قيمة لها
أحيانا تسيطر الصراعات على ذهن مبروك وهو يراوح مكانه في النادي بلا تقدم يذكر وسط انتقادات أسرته وقدحهم بما يضيعه من وقت في ممارسة رياضة لم تضعه في خانه المشاهير كما يهوى ويحلم فقد قالها والده في أكثر من موقف جارح أنه قد انفق على النادي بما يمكنه من فتح فراعا جديدة وشراء عقارات في مواقع مرغوبة لإرضاء بحث ابنه عن النجومية والشهرة ولحثهم بدافع الدعم المادي للاهتمام بابنه وتمييزه ووضعه في خانة المقدمة لكن النتيجة كانت واضحة بأنه مجرد بقاءه على دكة الاحتياط كانت ضريبة تلك الأموال التي تنفق لدعم النادي وان لا جدوى ولا مطمع من بقاء ابنه في النادي لأي صفة تذكر
لكن تلك الكلمات من والده جعلته يدير رأسه للتفكير في كلمات همس له بها احد أصدقائه المقربين وكانت كلمات غريبة ولها أبعاد خطيرة وخارقة للعادة التي يعرفها الناس
فقد عرض عليه اللجوء لأحد السحرة القادمين حديثا من إفريقيا فسحره ذو مفعول خطير إلى درجة تفوق الخيال وان نتائجه أعماله السحرية مضمونة وساحقة في أثرها وتحقيقها الهدف المراد
فقد قص له ما حدث لأحد أقربائه عند اللجوء إليه لغرض ثمين قد فقده وعجز عن العثور عليه منذ سنوات مضت وقد وجده بمجرد الالتقاء بذلك الساحر الذي قدمه له أثناء اللقاء الأول الذي جمعهم به من شدة عمقه في علاقات المرد من الجان المسخرين لخدمته ولتلبية طلباته وأوامره وكثير من القصص الأخرى الذي حققت لآخرين ثراء فادحا لاستعانتهم بولاء المرد من الجان لشخصه الغائر في الخبايا والأسرار
عاد سريعا إلى صديقه فواز يعيد سماع ما مر عليه من قصص ذلك الساحر وللتحقق من قدرته على تحقيق المقاصد وفتح سبل النجاح وبلوغ الغايات بعونه وبفضل اللجوء إلى قدراته الخارقة للعادات
فبعمل سحري مشدود الإحكام والإتقان قد يجلب له الحظ السعيد ويحقق له غاية يصبو إليه بلا جدوى وبدون تكبد معاناة وشقاء المنافسة الشرسة في كرة القدم التي ألقت به في دكة الاحتياط بلا جدوى وببذل جهودا في التمارين اليومية لا يتترجم عنها غير ما يبذل من جهد وعرق
كيف لا يمكن ذلك بوجود الساحر الفذ محقق الأمنيات وجالب الحظ السعيد لمن يطرق بابه راكلا عرض الحائط كل ما يترتب على ذلك من آثام وذنوب وخطايا فغشاوة داكنة السواد والغلظة أحاطت بعينيه فلا يري ولا يسمع ولا يبصر بغير الاتجاه للساحر الفذ في فنون السحر وأعاجيبه فهو داهية زمانه وعليه تصيد فترة وجوده في مدينة جدة ليمنحه فرصة العمر ويضع بساط الشهرة تحت أقدامه مهما كلفه ذلك من أموال وعطايا وأقسم لصديقه أن ذلك لو تحقق فسيهديه أمنية يحلم بها مهما بلغت وكانت بعيدة المال طالما بالمال المساب يسهل تحقيقها
وقد دهش مبروك أيما دهشة عند الوصول للساحر الإفريقي المأجور لأعمال السحر فبمجرد الوقوف أمامه ألقى أمامه أعجوبة تحتاج إلى وقفة والتراجع قليلا من شدة الخوف لما أحدثه الساحر وألقاه من مفاجأة مثيرة فقد أخبره بطلبه وبحلمه البسيط المنال وأن عملاً سحرياً كهذا يكاد يكون من الأمور البديهية البدائية التي لا تشغل بعضا من وقته مقابل مبلغا محرزاً من المال ، كان من الواضح أن الساحر يعرف من خلاله تحديد رقمه ما هي إمكانات وظروف كل قاصد لخدمته وطالب مفعول أعماله السحرية فإذا كان ثريا وابن أثرياء كان له أن يطلب ما يريد وإذا كان من العام المهووسين بالسحر وأعماله يطلب المعتاد من المبالغ المالية
ولم يشعر مبروك بأي خوف من حديث الساحر ومعرفته بتفاصيل حياة مبروك وأحلامه التي ليس لها غير سبيل السحر لتحقيقها وهي يعاني الموت البطيء في حياته الرياضية بلا أمل يرفع قدر مكانته الكروية إلى نجومية طاغية ومستبدة ينام ليله وهي يتأمل نفسه في زخم بروجها المشيدة بإعجاب الناس وملاحقتهم له فقد مضى أكثر من عام من حالة الموت البطيء لأمنياته دون أي بارق أمل يعيد نشوة الحياة إلى ساحته بل وما يزيد أمره تعقيدا ازدراء المحيطين به في ناديه المحبب ورمقه بنظرات الفشل وعدم القدرة على مجاراة ومنافسة غيره الأوفر حظا والأقرب إلى مدرب الفريق وإدارته المشرفة
الساحر لم يستنفذ كثيرا من الوقت ولم يبذل شيئا مضنيا من الجهد في منحه وصفة النشوة والنجاح في حرز في بعض الأوراق المكتوبة وهي خفيفة بوزن الريشة مكتبة كما أفاده بقطرات من دم الجان مخلوطة بمسحوق عين العفريت وأوصاه بإرهاب لا يقبل المجادلة وتعنيف لا يحتمل الأخذ والعطاء ومجادلة الرأي أو إبداء وجهة النظر بشأن الوصفة السحرية الخطيرة فقد طلب مقبلها قطع من الذهب مع مبلغ وفير من المال
وطالبه بوضع الوصفة في جيبه في كل مباراة يلعب فيها حارسا للمرمى وتكون ملاصقة كظله لا يفارقها أبدا مع تحذيرات شديدة اللهجة بعدم محاولة فتح الحرز الشيطاني الذي به عقد شيطاني معقود مع مارد من مرد الجان سيتولى أمر نصره والوقوف معه وتولي مهمة جعله محل السمع والنظر عن مدرب الفريق ورئيسه ونجم النجوم عند الجماهير الغفيرة بل وبسبب وجود الحرز الشيطاني المعقود في جيبه لن يتعرض فريقه لولوج أي هدف في مرماه إلا في حالات نادرة جدا جدا يكون خلالها قد أخل بإتباع الوصفة كما يجب أن تكون وكما أتت به الوصفة السحرية البغيضة
فعند كل هجمة للفريق المقابل مهما كان وفي مواجهة أي مدافع ليس عليه إلا أن يردد كلمة : أشتاتا أشتاتا
وسيجد كيف يفعل السحر الأفاعيل بالمهاجمين وبما يجعل ولوج الهدف في مرماه يعد من سابع المستحيلات في هذا الكون طالما أن الوصفة السحرية باقية على حالها في جيبه وإنها محتفظة بسرها الشيطاني الخطير وانه يكرر عبارة أ أشتاتا أشتاتا .. في كل مرة تواجهه الكرة فترتطم الكرة يمنة ويسره أما في حائط الصد أو في القوائم أو تطير في الهواء فتأخذ مسارا بعيدا عن المرمى
وإذا كان المهاجم عنيدا وشرسا وحاول اختراق المدافعين ونحج ببراعة في الاقتراب من المرمى في مواجهة مباشرة مع الحارس مبروك فترديد كلمة أشتاتا أشتاتا ستسقطه أرضا لا محالة وكأن قوة غير ظاهرة ولا مرئية بالعين المجردة قد أزاحته جانبا في حراسة الشياطين المرابطين لخدمة الوصفة مدى الحياة
وله أن بظل بفعل الوصفة المجنونة بمفعولها السحري الفتاك إلى أن يشاء من الزمن والى ما أمد الله له من العمر نجما في الكرة محروسا بمرابطة الشياطين للدفاع عن مرماه لن يدخل في مرماه هدفا أبدا
وحتى في المرات القلائل التي شهدت دخول أهداف قليلة لمرماه على غير المعتاد كان خالها مبروك منشغل الذهن سارح التفكير شارد الخيال لظروف قاهرة تمر به فنسي ترديد أشتاتا عند اقتراب أي خصم لمرماه فدخلت الأهداف لمرماه عنوة وخلسة وسط لوه لنفسه على نسيان ترديد أشتاتا أشتاتا لتطير بالكرة هنا وهناك بعيدا عن مرماه الحصين
وفي احد المواقف التي لا تنسى والتي تسجل في تاريخه وفي تاريخ فريقه العريق فضيحة بجلاجل من ضخامة مصابها أن استقبل مرماه أكثر من عشرة أهداف متتالية كان مرماه كالقربة التي خرت منها المياه لشج أصابها فما عادت تحتمل بقاء قطرات بداخلها وقت استدرك مبروك أن نسيانه لوضع الحرز الشيطاني في جيبه سيجلب له الفضائح تلو الفضائح فوجوده في جيبه لا يجب أن يغيب بأية حال من الأحوال .. وقد استدرك فضيحة تلك الأهداف بادعاء الإصابة معلنا خروجه من المباراة لتبرير الأهداف الغزيرة التي ولجت مرماه لقصور في أداءه وضعف مخيب في مستواه الكروي الحقيقي
صديقه فواز أدرك ذات ليلة انك ارتكب حماقة بإرشاد صديقه للساحر الإفريقي فقد عرق وتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن ما يقوم به الإفريقي من أعمال هو كفر بواح وان من يضع يده في يد ذلك الساحر فقد جرح علاقته بدينه ، ولا محالة شعر بخيبة شديدة انه تسبب في تلك العلاقة المذمومة التي ربطت صديقه الحميم بالساحر المنبوذ وكلما شاهد عبر التلفاز مباراة كرة قديمة يشارك فيها صديقه ببراعة مذهلة وإبداع اسر في صد الأهداف وحماية عرينه من هجمات الخصوم وتسديداتهم وهم الوحيد بين كل هؤلاء البسر الذي يعلم سر صديقه الذي يخفيه
وكثير ما يسمع في وسائل الإعلام عند تمثيل مبروك لمنتخب بلاده وتسببه في رفع شعاره خفافا من انتصار تلو انتصار وهو بلياقته المعهودة ومستواه المعتادة كأسطورة يضرب بها المثل في الصبر وتحل المشقات والصبر لسنوات على دكة الاحتياط حتى سنحت له فرصة الوصول للقمة بالصبر والانضباط والمثابرة وعناد الظروف الصعبة التي لا يستسلم لها أمثاله من المناضلين والمصرين على النجاح .. ما يزيد فواز ألما وحسرة وخيبة انه من تسبب في أخذه لذلك الساخر وحصوله على تلك الوصفة التي أخرجتهم عن الصواب وعن دينهم بكفر بواح لإتباع ساحر اقل ما يمكن فعله لصناعة تلك الأحراز الفتاكة هو العبث بكل ما هو مقدس من أفعال مشينة وقبيحة وسافرة وبه يوقع اتفاقياته مع الجن والشياطين
لكن فواز سأله خاله الذي دله على ذلك الساحر من منظرو شرعي وأخلاقي فقال له بحرقه بأنه سلاح العاجز المضطر فقد كان ابنه يعاني من ربط فعل سحري وصل به إلي حد الجنون بأن يسير عاريا في الهواء الطلق لو تركوه طليقا وبمجرد رؤيته للساحر عاد إلى حاله الطبيعي فقد تمنك الساحر بفك عملا سحريا هو من جنس عمله وبنفس طريقته التي يمنح بها النجاح لآخرين بعمل أحراز شيطانية تمكنهم من تجاوز الصعاب وجلب الحظوظ دون النظر إلى جوانب أخلاقية وشرعية بل هي تناقض الشرع وتكفر كل من لجأ إليها مرغما أو راضيا مضطرا أو بمحض اختياره
ادرك فواز ان الامر مخلتف تماما وبشكل جذري في الحكم بين من يذهب للساحر لانقاذ ابنه واخته او زوجته من فعل شيطاني أثيم يجعل الشخص يسير عاريا من ولع الجنون الذي اصابه بعمل شيطاني حاقد والذي في الغالب يعتقد الكثير انه مفعول بفعل فاعل وبتخطيط مقصود ومستهدف لتدمير حياة انسان ناجح وايقاعه في مستنقع الفشل والاسقاط بادارة عمل شيطاني خبيث وهنا يكون الذهاب للساحر بمثابة حيلة المضطر الذي سلك جميع الدروب واتبع كل التجارب والنصائح والاساليب دون جدوى غير ازدياد المصاب سوء وتدهور حياته وحالته يوما بعد يوم
لكن في شأن مبروك فالحال مختلف هو لجوء مقصود لعمل شيطاني محكم استهدف الاطاحة بشخص ليصعد مبروك بنجوميته على اكتافه دون ان يمنح نفس لحظة شاردة من التفكير البسيط بفداحة العمل وما به من خديعة ومكر وسوء خاتمة باتباع خطوات ذلك الساحر الذي باع ايمانه للشيطان باثملن بخسه الا وهي بيع تلك الاعمال بما فيها من اذى وضرر وهلاك وتدمير لحياة اخرين
فواز حاول محادثة مبروك الملتهي باحاطة المعجبين واضواء الاعلام والصحافة والمعجبات من كل لون فهو بوسامته بدى كنجم شباك لا يقارعه احدا في سطوع نجمه ،، اعتاد الناس والجماهير الغفيرة للنادي برؤيته على منصات تتويج الذهب سببا ريئسيا في تحقيق البطولات تلو البطولات .. حتى اسرته ووالده على وجه التحديد اصبح شديد الفخر بمنجزات ابنه الوحيد فبات يسرد محاولاته لسحب ابنه لبساط التجارة على انها تصرفا تسلطيا خاطئا لابنه الموهوب في كرف القدم وانه كاد ان يتسبب في تحطيمه وحرمان الجماهير وبلاده من تحقيق تلك البطولات علاوة على الشهرة المخملية الواسعة المحاطة به اينما حل وارتحل فإذن تحدثوا عن والده التاجر مره سلطوا الاضواء على اللاعب مبروك الف مرة بل تحولت الانظار الى مبروك فأصبح الحال مختلفا رأسا على عقب فمبروك هو المتسبب في زيادة شهرة وتجارة والده الى جميع الارجاء فإذا مر احدا امام كتجره تساءلوا ما قرابة صاحب ذلك المحل بمبروك وكأن المعادلة انقلبت واصبح مبروك في غمرة هذه الشهرة هو نقطة الضوء لاسرته بل وللحي الذي يسكنه والمحيطين به
في خضم كل ذلك لم يتراجع فواز لمحادثة مبروك بجدية عن جريمة العمل السحري الذي يكتمان سره في بئر عميقة وعن كفر من يتعامل من مثل هذه الاعمال التي ربما كان السبب الهلك لحارس المرمى الذي قبله وباحتلاله مكانه بسرعة المكوك بعد زيارة الساحر فيقال ان ذلك الحارس قد زهد عن حب الكرة ومتابعة احداثها وقدم طلب اعتزال نهائي دون رجعة وكأن تعلقه بكالرة والنادي والجماهير وكل ما كان يتمتع به من اخلاص وتفاني ومثابرة لا تسمح لمنافسيه من الاقتراب لخانته تحول الى انتكاسة حقيقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فأصبح كسولا خمولا أكولا لا يحرص على النادي بل تحول الى اخر اهتماماته في الحياة وهو ما ذهب به اعتقاد فواز ان الساحر بكل يقين كان خلف ذلك ليفتح الطريق واسعا لفواز وافق النجومية امامه بلا منافس ولا مبارز
دار حديث ساخن بين فواز ومبروك بعدما تشجع فواز لمفاتحته بالامر فهو جاثما على نفسه ويشعر تجاهه بإثم عظيم مسببا له حالة من الشعور بالمآساة على ارشاده لذلك السحار .. فكأنه يرديد التبرأ من الفعل المشين والرجوع عن الخطأ واعادة الصواب الى مكانه الطبيعي لعلها تكون توبة نصوحة ترجعهما الى جداة الصواب فالمسألة مرتبطة بالخروج عن الملة وفقا لاحاديث قدسية صريحة ولو كان يعلم من قبل فداحة وجرم الفعل المشين لما بادر بنصحه ولما اقترف ذنب المعصية انما كان الجهالة وعدم العمل بالشيء قادهما الى هذا الاتجاه
قرار فواز بحديثه لا رجعة فيه بمصارحة لا تقبل التأويل والتفسير ولا التبرير فالأمر ناصع الوضوح وهو سر لو خرج للعوام من الناس فسيكون مبروك في مزبلة التاريخ الرياضي وحديث كل المجتمع بحقيقة النجم الذي لا يشق له غبار والذي حاز خاتم سليمان بكلمة اشتاتا اشتاتا بمجرد قولها يخرج منتصرا امام اقوى الفرق واعتى المهاجمين .
- مبروك ارجوا ان تسمح لي بموضوح لا يحتاج فتحه لمقدمات لاهميه البالغة
- ماهو .. هات به فأنت وجه السعد في حياتي
- تقصد وجه السعد لان الحرز الذي معك ويقودك للانتصارات هو بسببي انا
- طبعا ياصديقي العزيز فالى الان كلما نطقت اشتاتا طارت كرات المهاجمين وتخور اقدامهم اما عريني كأنهم اقزام متغافين عن التسجيل في حضوري
- لكن الى هنا الا ترى ان هذه المسرحية يجب ان تجد لها حدا
- ما تقول انا ماصدقت اني وجد هذا الحرز فلا زال الكثير امامي من انتصارات وبطولات ومنصات تتويج للذهب
- لكن ما نقوم ب وانا شركك فيه يعد من المحرمات الصاعقة التي تخرج عن الملة الى الكفر
بدت نظرات مبروك وفيها استغراب واندهاش من لهجة فواز وكأن اتوبة نصوحة قد حلت عليه
- لا حد يسمعنا انا ناوي اترك الحرز لكن امامي سنوات من العطاء وبعدها لكل حادث حديث
- الم تستعينوا بنفس الساحر لانقاذ قريبك من الهلاك وفعل
- الوضع مختلف كلية والمقارنة فيها كثير من الظلم بين من كان يبحث عن النجاة من الهلاك لانه مسحور ولم نجد غيرهذا السحار لفك السحر منه والا فكان مصيره الهلاك وانت تعلم ذلك فكان ردة فعل لسحر مفعول لشخص بريء يعاني الضياع ، لكن نحن ذهبنا لحبك عمل شيطاني أي اننا قمنا بدور الفاعل للعلم الشيطاني لذلك لاعذر لنا ولا سيما انك ابن اغنياء لا حاجة لك بكل هذا غير مطلب الشهرة وحب الظهور
فر مبروك من حديث فواز متهربا من حالة الحصار التي كان واضحا انه في خانتها الخاسرة فيما لو استمر وتمادى في محادثته فليس امامه وهو في غمرة نجاحاته الا ان يكون في محيط شهرته جعلته فوق عام السحب وبمعنويات تعانق قمم الجبال
تذكر مبروك الليلية الاولى التي نام فيها وهي متجليا في امنياته التي ترفرف نحو الشهرة والنجومية فلم ينم ليلية دون ان يتمتم بترديد كلمة أشاتا اشتاتا التي لازمت تفكيره في كل لحظة فكلما لمح احدا يطن هاو يرمقه بسوء ردد أشتاتا أشتاتا
وادارة الناري التي كانت تنظر له على انه ابن التاجر العاشق لكرة القدم بحالة صعبة من فقد الموهبة الكروية اصبح اعناقهم تشرأب للامعان إليه بإعجاب وحرص على تلبية أي طلبات له مل عليه إلا أن يلفظ اشتاتا أشتاتا
وسيجد داخل النادي بساط الزهور مفروشا تحت قدميه مع تبرير فترة الفشل السابقة لأنها كفاح مثالي وإصرار أصيل لإثبات الذات وتحقيق النجاح فهو بذلك مضرب المثل للشباب الرياضيين الذين لم تشغلهم تجارة أبيهم ولا أمواله عن التحليق عالياً بالشعار الوطني في تمثيل منتخب بلاده وإسعاد جمهور فريقه العريق..
لم يكلف الامر مبروك شيئا غير دراهم قذف بها للساحر بعدها لا يواجه مخلوقا الا وينفخ امامه في وجهه دون ان يشعر بأشتاتا وسوف يسير كالماء المطيع بين يديه تذكر أيضا أن لاعباً في صف الفريق كان يعاديه ولا يطيق رؤيته ويشحن الآخرين ضده من فيض غيظه منه حتى وصل الأمر بينهما إلى قطيعة في الصلات وعدم مواجهة بعضهما في أي شأن غير المنافسة الكروية الخاطفة بين حارس مرمى ولاعب آخر..
انتهز مبروك فرصة العمل الشيطاني ليستكشف درجة عبور الى أي حد قد تصل في استمالة الاخرين نحوه واستجابتهم لما يقوله فذهب إليه وهو مغصوب على حاله مكرها على الوقوف أمامه فذلك لا يجاريه إحراجا مما يجمعهم من عداوة لم تفلح لإذابة جليدها عدو محاولات لتحسين النوايا وتصفية الاجواء
وقف امامه مد يده للمصافحة فلم يعني الامر للطرف الاخر كثيرا .. فنفخ في وجهه دون ان يشعر احدا بأي شيء وقال في نفسه أشتاتا أشتاتا
فكان التحول الغريب في شكل العلاقة ومضمونها بحال لا يصدق ومبادرة مبهجة بأن التحم به بمعانقة حميمة فاجأت الحضور فشكورا لمبروك مبادرته الطيبة وشعوره لطلب الصلح مباشرة بينما الآخر لا تكاد الابتسامة اللطيفة تفارق وجهه وهو ينظر لمبروك بشغف لا مثيل له وكأنه أحد معجبيه الاخيار لا يرد له طلبا من فرط الترحيب به كلما رآه فمن عداوة وكره ومناصبة الدسائس والتحرشات الى محبة طاهرة نقية ودودة
علم بعدها يقينا لا يلازمه أي ظنون ان بين يديه هو حرز مشغول من ساحر له مكانته في السحر وسلطته في عالم الجان وان الحياة ستبتهج له وتبتسم في كل المواقف والصعاب فقط عليه وضع ذلك الحرز في جيبه وترديد كلمة اشتاتا عند اللزوم والمواقف الحالكة..