كوميديا سوداء بتعميم حكومي

الكاتب: عبدالعزيز عمر أبوزيد
المصدر: موقع المؤلف

 

اجمل نكته في القرن الواحد والعشرين عصر التطور والتكنولوجيا الرقيمة أن تواجه من شخصاً أو جماعة تتحرج  من ذكر اسم الزوجة وهي كوميديا حيه تعيشها رؤيا العين في مشهد يفوق خيال القصاصين والحكائين ..

الطريف عندهم أن اسم الزوجة لو اطلع عليه الآخرون فمن الأسهل عليه أن تنشق الأرض وتبتلعه وهذه ليست مبالغة وقد وقعت فعلاً ففي ذلك ضياع للهيبة كما تذهب عقولهم الساذجة ويراق ما الوجه  والأهم هو تعرضهم للسخرية من بعضهم وتلك العقلية لا تزال موجودة وقابلة للانقراض مع الانفتاح السريع الذي يعيش أحداثه وفصوله المجتمع ..  ووجه الحرج باختصار وإيجاز في أن أصدقاءه من نفس العقلية لم يتناسوا اسم الزوجة وسيبقى عالقاً في أذهانهم حتى يرث الأرض من الأرض هذه العقلية المتحجرة ي فهو ليسوا من الجهلة فقد يكونوا من أصحاب الشهادات العليا والوظائف المرموقة ولا حكم في ذلك على المستوى الاجتماعي والوظيفي فهي مصيبة لأن المحيطين به سوف يعيرونه باسم زوجته بينما يذكرون اسماء النساء من الصحابيات الجليلات وأمهات المؤمنين بكل تعظيم وهيبة لكن شأن ذلك مختلف تماماً فيما بينهم..

وقد مررت شخصياً من الطرائف والنوادر من القصص في العام 1417 هجري عندما صدر توجيه من الإدارة الحكوميةتي أعمل في إدارتها بأن يحضر كل موظف البطاقة الوطنية العائلية لشمولها على بينات الانتساب للوظيفة من باب تحديث البينات وكان من سوء الطالع أن اسم الزوجة مذكورة في تلك الوثيقة .. فكيف يقدمون بأيديهم تلك الوثيقة المشؤومة وفيها اسم الزوجة كاملاً وهناك من يتربص لمعرفة اسم الزوجة ومناداته بها فيا لها من كارثة متربصة بعقول البعض وسرعان ما انتقل عدواها للبقية المتبقية فالأمر قد يعرّضهم للسخرية البلهاء التي قد لا ينتهي صداها سريهاً.

 المهم في الأمر أن الإدارة الحكومية كانت جادة في الأمر وحددت تاريخ صلاحية للتعميم الصارم وعلى الجميع دون استثناء تقديم الوثائق  المطلوبة فقد تهاونت من قبل ولكنها في ظرفها الراهن قد قررت انجاز المهمة على وجه السرعة ..

 وكانت فرصة نادرة للاصطياد العكر والمداعبات الساخنة أو المزاح الثقيل إلى ما هو  دون الخطوط الحمراء على طريقة الكوميديا السوداء فيما بين زملاء المهنة المقربين من بعضهم البعض فبينهم من العشرة والعمر الوظيفي الشيء الكثير وبعضاً منهم زملاء امتد عمر الزمالة بينهم لعشرات السنين من ربيع العمر وحتى خريفه باشتعال رؤوسهم بالمشيب كل تلك السنوات قد مضت بينهم ولا أحداً من يعلم اسم زوجة الآخر من باب الحياء أو خشية من التعليقات الساخرة.

الجميع قد ستقبل التعميم الحكومي  بحذر وكل منهم ينظر للآخر خشية أن يقع المبادر أولاً في الفخ فالمتحمس الذي سيبادر بتقديم بياناته سيكون في وجه فلن يتركوه وشأنه دون أن ينالوا من ذلك الموقف ما يشاءون من سخرية وترديد ، وكل لوم يمرّ عليهم من يزداد الوقف حساسية فمن جانب يخشون أن تقع عليهم عقوبة التأخير ومن جانب آخر يدخلون في نفق لا ينته ففي كل يوم بوجه مختلف وعليه أن يتقي من السخرية باسم الزوجة ويصل الحال بأن ينادونه باسمها فكلما أقبل عليهم أحداً قالوا مرحبا بنورة أو حصة أو مريم وقد سادت السخرية اليومية مجالسهم وباتت الطبق الرئيسي المفضل في أحاديثهم ..

ومنهم من يأخذ الأمر بحساسية مفرطة وقد يجنح بهم الأمر إلى ما لا يحمد عقباه لذلك يكتفي المزاح ببداياته لأن ملامح الرفض لهذا النوع من الممازحات ستكون مشحونة بموجات من الغضب وقد يكون بعدها ردة الفعل مبالغ فيه وتخرج كوميديا الموقف إلى خصومات ومشاحنات ساذجة..

 الذي عاش أجواء تلك الحالة يستدرك أن الصداقات مهما بلغت حميمتها فيصعب أن تستبيح لأي طرف منهم إفشاء اسم الزوجة .. وإذا حدث ذلك أي أن أحداً منهم استباح للآخر معرفة اسم الزوجة فتلك ثقة مفرطة لا حدود لها..

 وإن كان اسم الزوجة يأخذ طابع المزاح الساخر إلا أن ظهور الزوجة أمام الآخرين من زملائه ومعارفة مكشوفة الرأس غير مقبول على أي حال  فهو خط أحمر حقيقي فقد يذهب أحدهم لنزهة سياحية خارج البلاد ويسمح لزوجته السير في الطرقات وارتياد الأماكن السياحية العامة بلا نقاب كامل أي كاشفة الوجه لمجاراة أحوال وأعراف ونمط حياة المجتمعات المنفتحة حتى لا تبدوا شاذة فتلفت الأنظار لخروجها عن عرفهم لكنه بمجرد أن يرى أحداً من زملائه او أصدقائه فسرعان ما يعود إلى حالته التي كان عليها ويأمرها على الفور بإلقاء نقابها الكامل على الوجه إلى حين ميسرة وإلى حيث زوال وجه الشؤم وذلك البعبع  الذي يطارده عن غير قصد في حله وترحاله ، وكأن صديقه سوف يترك كل نساء تلك البلدة بمختلف الألوان والأشكال ويسلط نظرته الى تلك العجوز بملامحها البالية ..

 

 

 

Back