استمتعت بـ (حكايات العطارين في جدة القديمة) وهو مؤلف الزميل عبدالعزيز عمر أبوزيد الذي أشار فيه وعلى الغلاف أن دراسة تاريخية وصور اجتماعية للمتقدات والوصفات الشعبية ..
واعجبني تقديمه لنفسه كمدخل في بداية الكتاب دون الاتكاء على اسم معروف للتنويه عن جهده، أو تقييم هذا الجهد الواضح في التاريخ للعطارين في مدينة جدة على اعتبار أنهم جزء من تراث وتاريخ المدينة..
وأنهم تراث عريق يصعب تجاهله لمجرد اختباء فارسه أي ظرف من الظروف..
ويحل المؤلف نقطة هامة وتاريخية وهي أن اختفاء الشيخ العطار بخصوصيته التي ترتبط بالمكان والظروف يعود للسقوط التدريجي غير المتوقع من حسابات المجتمع القديم وهو في عزّ أوجه ونشاطه وحركته بدءً بهدم سور جدة العتيق عام 1367 هـ ومن ثم إقامة المستشفيات وانتشار الصيدليات قلل من فرص منافسة العطار بعد أن أصبحت وصفته ( دقة ) قديمة .. ففضل العطارة أن يكونوا أول الرجال المحترمين الراحلين بتراثهم ..
ويرى المؤلف أن مسيرة العلاج بالطب الشعبي قد صاحبها شيوع بعض الأفكار والمعتقدات الخاطئة وترويج بعض الخرافات والمشعوذات التي تخالف عقيدتنا ولا تتفق ومنهجنا وشريعتنا السمحة ، إلا أن تسجيلها بنفس صورتها السابقة كان أمرا حتمياً تقتضيه أمانة التسجيل والتدوين والرصد..
ويبدي المؤلف تعاطفه مع العطارين وانقراض المهنة بعد أن أصبحوا مجرد بائعي أعشاب..
وقد اعتمد في تسجيله لهذه الحكايات كما أشار في نهاية الكتاب على الاجتهاد والالتقاء بكبار السن والمعمرين وآخر العطارين الذين شهدوا وضع العطارة قبل اهدم وبعده في ظل في ظل عدم وجود مراجع أو كتب تناولت العطارين بالدراسة..
وقد احتفى المؤلف بالعطارين كثيراً على اعتباء أنهم أطباء الزمن القديم وذكر أشهر العطارين في جدة ، والدايات وارتباطهن بالعطار ..
ولعل ما لفت انتباهي بالكتاب خلاف الجهد الذي بذله الزميل عبدالعزيز من حيث الاعتماد على المصادر الشفهية والتسجيل لمدة عامين التزامه بالأمانة الصحفية والتسجيلية حيث حرص على ذكر المصادر الشفهية حسب ما توفر بالأسماء وهي نقطة هامة تمنح الزميل مصداقية للتسجيل وقدرة مستقبلية على الاحتفاء بالتراث والاهتمام به ..
بقي أن أقول أن الطب الشعبي قديماً والوصفات الشعبية لا تزال في جميع مناطق تتشابه وتلتقي في الكثير من أسماء الأعشاب..
وتحتاج كثير من مناطق المملكة إلى تسجيل وتوثيق لتراثها وكيفية العلاج سابقاً ومن المعالجون قبل أن تغيب مصادر هذا التراث وتختفي..
ويكتفي بالتسجيل بعيداً عن المداخلة الحديثة على اعتبار أن البعض من الوصفات الشعبية لا تتماشى مع الطب الحديث ، وأن ما تقوم به الداية يضرّ بالمرأة ويعرضها للخطر فالوصفات كانت تتم وتتناول بعيداً عن أي تفكير فيما سيحدث..
إننا بدون شك نحتاج إلى مجموعة من الدارسين يتحمسون مع قضية التوثيق للتراث والاهتمام به على اعتبار أنه جزء من نسيج المجتمع الحديث كما كان قديماً ..