حكايات العطارين - عكاظ

الكاتب: أ.د. عزيزة المانع
المصدر: جريدة عكاظ

كتاب طريف جدير بأن يقرأ عنوانه ( حكايات العطارين في جدة القديمة ) ومؤلفه عبدالعزيز عمر أبوزيد ، شاب بعيد عن الصيدلة وعلم الأعشاب ، كما أنه بعيد عن التاريخ والأخبار وهو كما يقدن نفسه في كتابه متخصص في دراسة الإعلام ، لكنه مع ذلك قدم لنا في هذا الكتاب عملاً بديعاً يحفظ للتاريخ كثيراً من المعلومات عن هذه المهنة الآخذة في الاندثار.

 

والكتاب يقدم لقارئه عرضاً مفصلاً لنشاط العطارين في مدينة جدة خلال القرن الرابع عشر الهجري ، وقد تمثل ذلك النشاط في تسعة محلات للعطارة اشتهرت بين الناس بما كانت تقدمه من جهود في مكافحة الأمراض وتوفير الدواء ، قبل أن ينتشر الطب الحديث وتكتسح الأسواق المستشفيات والصيدليات .

 

فالعطارة آن ذاك كما يصفها مؤلف الكتاب لم تكن مجرد مكان لبيع الأعشاب والنباتات المختلفة ، ولم يكن العطار مجرد تاجر أعشاب وإنما كان بمثابة طبيب لأهل البلد يصف للمرضى منهم ما يلائمهم من علاج وكان محله معملاً لتركيب الأدوية وصنع الوصفات العلاجية . وهذا النشاط العلاجي للعطارين لم يكن مقتصراً على مداواة الأدوية البدنية فقط ، وإنما كان يمتد ليشمل مداراة الأمراض النفسية أيضاً ، وكان الناس يقصدون العطار متى طوّقهم الأرق وعانقهم القلق واستبدت بهم الهموم ، أو متى تضايقوا من مصاحبة الخجل أو الإحساس بالحرج في بعض المواقف ،فكان العطار يجد لكل حالة ما يناسبها مما لديه من الأعشاب والنباتات ، ليس هذا فحسب بل أن العطار لديه أيضاً ما يقي من الإصابة بالعين والحسد ، وما يحفظ من تلبس الجن ، أو ما يطردهم متى تجرّأوا واقتحموا الجسد ، وعلى ذمة ( هؤلاء العطارين ) فإن مما يطرد الجن شر طردة ، ويقصيهم أبعد إقصاء ، أن يدق الإنسان الثوم ويدهن به فلا يقوى الجني على نحمل رائحة الثوم المزعجة فيفرّ ناجياً بأنفه.

 

ومما يذكره المؤلف أن هؤلاء العطارين كانت تربطهم بالبدايات صلات متينة، في البداية يمثل لها محل العطار المعمل الذي تركب فيه وصفاته الطبية لعلاج النساء أو الأطفال الرضع ، وفي الكتاب فصل كامل للحديث عن نشاط الدايات وأنواع النباتات التي كن يستعملنها في تخفيف آلام الولادة أو التعجيل بحدوث الحمل أو في علاج أمراض الطفولة المبكرة .

 

ولك يقتصر أثر العطارين في حياة الناس في ذلك العصر على معالجتهم وإمدادهم بالأدوية التي يحتاجونها ، بل كانوا أيضاً يعالجون حيواناتهم ويمهرون في تقديم الوصفات المعينة لها على التغلب على المرض.

 

أخيراً  فإن الكتاب يضم قائمة كبيرة من أسماء النباتات والأعشاب التي كانت مستعملة في مداواة الأمراض المختلفة وطرق استعمالها ، مما يجعله مرجعاً غنياً في هذا المجال ، ويذكر المؤلف أنه اعتمد في جمع  تلك المعلومات من أفواه الأشخاص الذين عاصروا العطارين أو عملوا معهم أو كانوا هم أنفسهم عطارين .

 

وإذا كان الكتاب في يومنا هذا قد لا يلفت النظر كثيراً فإنه للقرون القادمة يمثل كنزاً فريداً في نوعه . وإن كان من وجهة نظري ينقصه إضافة الصور لبعض النباتات المذكورة خاصة ما كان منها غير معروف الاسم وليس شائعاً.

 

 

Back